كلمة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح لسنة 2014

شارك:



كلمة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح لسنة2014
بقلم:الناقد المسرحي المغربي الدراماتورج: بنيحيى علي عزاوي


تحية"كثارسيسية" للمسرحيين الشرفاء وأهل المعرفة والعلم النبلاء، ثم تحية "ديونيزوسية" احتفالية لصانع العرض وإلى كل مبدع خلاق أتشرف بمعرفته...لي كامل الشرف أن تتوطد الصداقة بيننا عل وعسى نجد رابطا درامية نشتغل على مستواه،من خلال عنصر"الكثارسيس" المحمل بجدل قفزات التطور ثم جمال عنصر"الإيحاء "الذي أصبح متواجدا في الكلمة واللون والصوت والحركة وتشكيلاتها السيميولوجية والصورة المتحركة والثابتة ورموز أخرى تعرفها السنوغرافية الحديثة....ما أجمل وأروع عندما يجد"الباخوسي" من يحاكي معه حكاية "الهيام" العذري المتواجد فقط في الفن!! هكذا قالوا و يقولون : أما أنا فأقول بالإضافة، أن "الهيام" متواجد على مستوى الروح والأرواح وهو يسري في القلوب الطيبة كسريان الدم في الشرايين!!! الأرواح تلتقي في هذا الكون الشاسع العظيم وتبحث عن بعضها البعض في هذه الدنيا الجميلة والكثيرة الخيرات شكلا ومضمونا تسر الناظرين والنفس اللوامة والموسوسة وكذلك المطمئنة الراجعة إلى ربها يومئذ راضية مرضية...لكن النفوس الشريرة هي كذلك من خلق الرحيم الرحمن، لها إيديولوجيات متنوعة تستغلها لصالحها ولملذاتها شذى شهوتها فقط...لأنها سادية النبتة وبرجماتية في عالم "المصالح المادية"..
العالم اليوم أصبح قرية على مستوى ديمومة الزمان مثله كمثل "الضوء" ولكن العقل البشري لازال لم يرقى بعد, هذا ما يؤكده علماء الهندسة الوراثية فيما أنتجوه يعتبر"الصاخة الكبرى" المدوية كالبركان المهول الذي يتنبأ بالإنسان الكوني..؟؟؟.لكن لنكن واقعيين ومتفائلين على أن حركة التطور تمشي بسرعة في زمننا هذا ولا يتلمس ويتحسس إيقاعاته/الزمان/ إلا من المصطافين ومن ذوي الأبصار والاستبصار .
يعلم الجميع من المسرحيين أن القوانين الكونية لم تفعَل من طرف الأمم المتحدة إلا بشكل نضالي مستمر وكأن هذا العالم تحكمه ديكتاتوريات ربما ندمت على تنظيم العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومن بين هذه القوانين الكونية الجميلة اليوم العالمي للمسرح،يوم 27 مارس..بقرار من الهيئة العالمية للمسرح"مقرها باريس" بدأ الاحتفال العالمي باليوم الدولي للمسرح منذ سنة 1962 برسالة الكاتب(جان كوكتو) وبات من التقليد المسرحية أن تكلف في كل عام شخصية مسرحية مميزة في عالم المسرح بكتابة كلمة تترجم إلى أكثر من عشرين لغة لكي تقرأ الرسالة في آلاف القاعات المسرحية حول العالم وتنشر في مئات الصحف العالمية ثم تذاع في القنوات السمعية والبصرية..وللتذكير فقط، فمنذ 1962 كتبت أكثر من خمسين رسالة لمسرحيين عالميين من بينهم:جان كوكتو، آثر ميلر، لورنس اوليفيه، بيتير بروك، وولي سوينكا،مارتن أصلان، ادوارد ألبي، فلكاف هافل،اوغستو بوال، وآخرون من جميع القارات وهذه السنة كتب الرسالة"بريت بيلي" من جنوب افريقيا، ومن العرب سعد الله ونوس، فتيحة العسال والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
يوم27مارس يعتبر بداية فصل الربيع الجميل هو فصل الخصب والنمو. كل الكائنات الحية المتواجدة في هذا الكون العظيم تتزاوج وتتلاقح وتعيش هياما روحيا عظيما، وكان هذا الفصل الجميل من إبداع الشعب اليوناني الذي كان يبجل الإله" ديونيزوس" ابن الآدمية "سيميلي" ابنة "كاداموس "وأبوه ربُ الأرباب المسمى"زيوس" حسب الأسطورة اليونانية...فأنجبا ابنا سمي "ديونيزوس" هذا الكائن النصف أدمي والنصف الهي، عاش غربة غريبة لا مجال للحديث عن أحداثها الآن مادام جمعنا كمسرحيين نعرف جيدا تاريخنا المسرحي ونعرف جيدا مفهومنا للمسرح هو: "التيآترو- المكان القدس- الذي ولد من رحم احتفالات دينية تبجيلا للإله "ديونيزوس"..
زرع/بذور الدراؤو/ الدراماتورجيون العالميون فأكلنا بعد طهي تطبيقي شاق ومتعب ولا زلنا نزرع البذور الانفعالية وطقسيها للفعل المسرحي المتميز الإنساني الخالي من المحلية التي روجت لها عقول شوفينية من خلال بما يسمى ((التراث))..لكي تحصرنا في الانغلاق والتهميش , لكن المخضرمين المغربيين تصدوا منذ الوهلة الأولى وأدركوا أن الفنون هي ثقافة إنسانية((لاشرقية ولا غربية ولا جنوبية ولا شمالية)..الفن المسرحي /العلم/ له عشاقه ومحبوه ، يستبصرون في تجلياته الطقس الكثارسيسي من العالم السحري /الديونيزوسي/...أجل وألف بلى !!!..الفعل /الدراؤو/تنجلي في طقسية عروضه جمالية /الميمزيس/ والإيحاء الذي يحفر في سجايا "فعل التعرف" الجاد ثم الرخيص ثم الجيد وأخيرا الرديء,..هذا الفعل المسرحي بثالوثه السيكولوجي(( الفعل الإرادي والفعل النفسي والفعل اللاإرادي)) يمشي في خطوط مزركشة الألوان والأشكال والمضامين لأفكار البشر وسجاياهم....من هذا المنطلق أقول قولا بصولة الحكيم : إن جيلي من الملسوعين، أسس للمسرح العلمي العالمي ولم يبالي((بالجمهور عايز كدة)) بل تأسيسنا كان يطمح ولا زال إلى مخاطبة الإنسان الكوني الذي نحلم بحضوره في الفضاء ألمغاربي الأصيل ب:((أمازيغه وعربه وقوميات أخرى افريقية وأوربية))..المغربيون منذ الأزل كانوا يتفاعلون مع جميع الحضارات ,وتأثر سكانه الأولون بالقادمين كما تأثر الفاتحون بهم ....أعتز بمغربيتي المتواجدة في كل القارات حاضرة ناظرة في الثقافة الإنسانية مستبصرة ناضرة ...صحيح،تعلمنا من "الأوربيين" الشئ الكثير..الإدارة بسلطاتها الثلاث وثقافة شاملة في العلوم الإنسانية ومن بينها" المسرح العظيم"الذي عشقنا طقس غرامه المترامي الأطرف في الذات البشرية الولهانة...طبعا انفجرت ينابيع المعرفة المسرحية مع "أندري فوازان"سنة1953.في المغرب..بعض النقاد- بين قوسين- يقولون كان المسرح مع سيدي الكتفي وفي جامع لفنا ووو ..كل الشعوب كان عندها الحكواتي والراوي بطريقتها الخاصة كما كان شأن "تيسبيس" في اليونان والحلقة كانت متواجدة عند كل الشعوب بطريقتها المثلى ،لكن ليس مسرحا بمعني "المسرح" الذي هو التيأترو" المكان المقدس لدى الديثرامبوس واحتفالهم بديونزوس...تدرج هذا الطقس السحري الجميل مع أول كاتب درامي"آريون الكورنيثي" الذي نظم وصاغ النشيد الاحتفالي لجوقة الديثرامبوس...الكل يعرف على مستوى علم التاريخ أن أول ولادة درامية كانت للشاعر الملهم"اسخيلوس ابن يورفيون"الذي قرر الكتابة/ الصراع/ بإذن من الإله "ديونيزوس" كما أكد لنا ذلك"باوسانياس المقدوني" ...ومن إبداعات"اسخلوس"خُلق الصراع" وإبداعات "سوفكليس" الذي أضاف الشخصية الثالثة ثم اكتشف التشويق والجدل...,وبعد تراكم درامي جميل، سن الرجل الفيلسوف العظيم "أرسطو طاليس" قاموسا دقيقا سماه "فن الشعر" هذا الكتاب الجليل كان عبارة عن مقالات ثم جمع في كتاب. ترجمه ترجمة دقيقة وجميلة الفيلسوف الوجودي العربي ( عبدالرحمن بدوي)) أعتبر هذا الكتاب الجليل هو السلم الموسيقي المسرحي وأسسه وقوانينه اللينة المطاطية والميادة في النسيج العام والخاص للتراجيديا والملحمة والمسرحية وكذلك الساطورية التي لازلت لم تنفجر ينابيعها بعد، إلا من خلال لمسات مبدعين فرنسيين أسموها "الفودفيل"...وباستمرارية وديمومة المبدعين اليونانيين نما وترعرع المسرح وسرح في فضاء الكرة الأرضية...وأقول صدقا حسب تجربتي ودراسي على مستوى التطبيق أن كتاب"فن الشعر" سيبقى إلى الأبد والى أن يرث الله الأرض ومن عليها في الإضافة لا التجاوز كما روج لهذه الفكرة الجاهلة الجهلاء لعالم الركح وفضائه العجائبي ..وللتذكير فان"برتلولد بريشت" وغيره من الدراماتورجيين العالميين قد أضافوا للمحاكاة والكثارسيس والإيحاء.وخاصة في عنصر"فعل التعرف"...."بريشت" أضاف الدياليكتيك الذي كان جدلا إنسانيا فأصبح جدلا سياسيا واقتصاديا من خلال التعمق في فلسفة (( الاغتراب)) وآخرون بلوروا الأشكال وآخرون ألغوا النص والكلمة لكنهم لم يخرجوا على الكاثارسيس والإيحاء والمحاكاة....و"أرسطو" يفرق بين "المحاكاة" الغريزة في الإنسان للتقليد وأخرى "المحاكاة أو الميميزيس " بمعناها الحفر والتنقيب وهي فعل فلسفي قائم الذات...كل هذا التراكم الإنساني الفكري كنا نحن جيل الستينات والسبعينات نشغل بجد ونجرب على مستوى التطبيق ثم نقارن ونناقش ونجادل ونغضب ونحزن ونسعد ثم ندون ونتصفح الدراسات تصفحا تطبيقيا لا هدرا في الجامعات (باحتراماتي للأساتذة الواعين بأن المسرح تطبيق ليس هدرا وسردا تاريخيا يحكى الترهات..!!بل المسرح خلق من فوق الخشبة ومع الخشبة وعلى أرضية الخشبة لا كلاما مباحا كما يعتقد البعض..أجل!! المسرح خلق مع الاحتفال بأفراحه وأحزانه وهو حفل فلسفي روحاني سماه "أرسطو"(( الكثارسيس)).....
سافرنا في كل جزء من تراب جغرافية المغرب العظيم وبلدان أخرى عالمية،تنقلنا من مدينة تلوى مدينة، نشغل بحب وعشق مع الشباب..مرات نتخاصم معهم ومرات نتعانق وأخرى نصبر على إيصال البلاغ الفكري المراد تصحيحه للطلبة الجامعين وآخرين موظفين وعمال مغتربين.....وبمعاناتنا وعنادنا وإسرارنا على نشر الثقافة المسرحية صبرنا صبرا مبينا لا مثيل له ولا زلنا نطالب بأبسط الحقوق (( العيش الكريم للرجل للفنان عموما والمسرحي خاصة صاحب التنبؤات)) الفنون يا سادة يا كرام هي رافد من روافد الثقافة التكنولوجية في عصر القرن الواحد والعشرين .وهذا شئ معروف لدى السياسيين..جاء الوقت أن يكون التصالح ما بين الفنان والسياسي على أساس الحوار والنقد البناء.........أتسأل :متى نؤسس ثقافة حداثية في مدارسنا وجامعاتنا؟ لكي نربي العين المدركة في الإنسان ألمغاربي المستقبل ؟ الجواب عندك أيها الرجل السياسي في المغرب وتونس والجزائر ومريطانيا وليبيا. الحتمية التاريخية مسئولة الجميع لتفعيل الفضاء الاقتصادي ألمغاربي وإلا زدنا تخلفا وجهلا مبينا ولا نستطيع اللحاق بقطار الحضارة الإنسانية.

الناقد المسرحي المغربي الدراماتورج: بنيحيى علي عزاوي



التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات