بحث علمي حول الميتافيزيقا

شارك:

*مفهوم الميتافيزيقا 1- الأصل الإشتقاقى للكلمة : الكلمة يونانية الأصل وتعنى حرفيا ما بعد الطبيعة ، ويتألف لفظ ميتا فيزيقا من مقطعين هما فى الأصل كلمتان يونانيتان الأولى( ميتا) وتعنى بعد ، والثانية (فيزيقا) وتعنى الطبيعة لتصير الكلمة بالعربية مابعد الطبيعة . ولكن ليس المقصود بكلمة بعد هنا تجاوز العالم الواقعى ، وانما التعمق وراء الظاهرة و النظرة المتأصلة للموضوعات لإستجداء الحقيقة الباطنة التى لا تقع فى نطاق ادراكنا الحسى وانما فى دائرة العقل الخالص . 2-الأصل التاريخى للكلمة :استعملها الفلاسفة فى العصر الهلينستى و الشراح المتأخرون على أرسطو ليشيروا بها الى مجموعة النصوص غير المعنونة التى تعود الى أرسطو وتعرف الآن بالميتافيزيقا ، وكان أرسطو نفسه يسمى تلك الموضوعات بالفلسفة الأولى و يسميها ايضا بالحكمة لأنها تبحث فى العلل الأولى اطلاقا . 3- الأصل الإصطلاحى : من الثابت ان الكلمة الإغريقية الأصل لم يستعملها أرسطو وانما كانت من وضع تلميذه " اندرونيقوس الرودسى " فى القرن الأول قبل الميلاد عندما صنف مؤلفات أرسطو فجاءت تللك النصوص بالتصنيف بعد البحوث الطبيعية ، وفيما بعد أخذ الفلاسفة فى العصور الوسطى هذا العنوان ليشيروا به الى الموضوعات التى ناقشها أرسطو فى الميتافيزيقا بوصفها موضوعات تأتى بعد الموجودات الطبيعية ولا تعرف بالإدراك الحسى . *تعريف الميتافيزيقا 1-فى الفلسفة القديمة : عرف أرسطو الميتافيزيقا بأنها البحث فى العلل و المبادئ الأولى ، كما ذهب الى انها البحث فى الوجود بما هو موجود ، اى انها تبحث فى الوجود من ناحية المبادئ الأولية الكلية التى تعم جميع الموجودات و التى تجعل الوجود موجود . 2-فى العصر الوسيط : يعرفها ابن سينا –متأثرا بقول أرسطو- بأنها العلم الإلهى الذى يبحث فى الموجود المطلق و ينتهى فى التفصيل حيث يبتدئ منه سائر العلوم ، فيكون هذا العلم بيان مبادئ سائر العلوم الجزئية ، والى ذلك ايضا ذهب توما الإكوينى ، فالميتافيزيقا عنده هى العلم الذى يبحث فى العلل الأولى او المبادئ الأولى وهى ترجع عنده الى علة واحدة هى الله . 3- فى الفلسفة الحديثة : وهى عند ديكارت تشمل مبادئ المعرفة التى بينها تفسير اهم صفات الله ولا مادية نفوستا ، وميع المعانى الواضحة التى فينا ، وبعد ديكارت أخذ معنى الميتافيزيقا يتغير ، فاعتبرت فى فلسفة كانط متضمنة لظواهر الإدراك الذى يكون قبليا أى أوليا سابقا على التجربة ، وكذلك يعرف الميتافيزيقا النقدية بأنها الكشف عن العناصر الأولية فى المعرفة و العمل . وعند أوجست كونت هى نمط فكرى وسيط بين الاهوتى والوضعى ، فهى تسعى لمعرفة أصل كل الأشياء ومجراها المصدر الأساسى لإنتاج كل الظواهر . 4- فى الفلسفة المعاصرة : استمر الإهتمام بتعريف الميتافيزيقا فيعرفها برادلى بأنها معرفة الحقيقة كشئ متميز عن الظاهر و تصور العالم عقليا ، ونجد لالاند يعرض لها عدة تعريفات منها معرفة كائنات لا تقع تحت الحواس ، معرفة ماهية الأشياء بذاتها مقابل الظاهر التى تتسم به ، معرفة الحقائق الأخلاقية وواجب الوجود و المثال بإعتبارها مكونةنظاما واعيا أعلى من نظام الوقائع و متضمنة علة وجود هذا النظام ، معرفة مطلقة يقدمها حدس الأشياء المباشر فى مقابل الفكر العقلى ، معرفة بالعقل تعد كأنها قادرة وحدها على بلوغ جميع الأشياء ومن ثم بلوغ المبادئ الأولية للعلوم الطبيعية و الأخلاقية ، معرفة الواقع بالتحليل المتروى و النقدى الجذرى قدر الإمكان ، أما برين كار فيرى أن الميتافيزيقا تمثل نشاط الوصف المقولى للجوانب الأساسية التى نفكر بها و تسعى الى الحقيقة . *طبيعة الميتافيزيقا يمكن تلخيص طبيعة الميتافيزيقا فى الآتى : - تركز دراسة هذا العلم حول الصفات العامة للوجود بما هو موجود و محاولة الوصول الى نظرية عامة عن طبيعة العالم ، وكان هذا نذير بإيجاد أنطولوجيا عامة تهتم بدراسة الموجود على نحو أكثر تجريدا وعمومية مما هو قائم بالفعل فى حدود العلوم الجزئية المتمثلة فى العلوم الطبيعية والبيولوجية . - لا تبحث عما هو واقعى بالمعنى الحسى وانما تتطلع بالبحث عن الحقيقة وتستهدف الوجود الحقيقى الذى لا يظهره الواقع المحسوس ، وانما يوجد عالم وراء هذا الواقع و الخبرة الحسية . - التفسير المستخدم فى الميتافيزيقا غير التفسير الشرطى الذى يعتمد على مقولات معينة تقع خارج حدود خبرتنا الحسية ، وهذا يعتبر فارقا جوهريا بين طبيعة خبرتنا الحسية و طبيعة الميتافيزيقا ، فبينما تنحصر الأولى فى نطاق موضوعات قائمة بالفعل وخاضعة للإدراك الحسى و المادة نجد ان موضوعات الميتافيزيقا لا تشترط وجود مادة ، و انما تشترط وجود عقل . - تتجه الميتافيزيقا نحو مشكلة تميز طبيعتها وهى مشكلة الظاهر و الحقيقة ، فالعلوم الجزئية تعتمد على عالم الظاهر أما الميتافيزيقا تهتم فى الأساس بالبحث فيما وراء هذا العالم الظاهرى ، وهذه نظرة كل من ديكارت و اسبينوزا و برادلى و ماكتجارت . - تعد الميتافيزيقا بمثلبة نشاط عقلى خالص يتجه نحو العمومية و التجريد و يسعى نحو الوحدة و الكلية فنجد أن فلسفة ماكتجارت تهتم بدراسة الخصائص التى تميز الوجود ككل و الموجود من خلال تصورات يفرضها العقل وهو يتتبع الأنماط المختلفة للوجود طبقا لمبادئ الفكر الخالص . - تنظر الميتافيزيقا للعالم على انه بناء كليا معقدا يتركب من مادة وعقل ، و يتألف من موجودات مختلفة و موضوعات متباينة ، و الكلية فى الميتافيزيقا ليست شمول المعرفة و انما تعنى ما يتسم به البناء الفلسفى من شمول و اكتمال . - تتميز الحجة الميتافيزيقية بأنها لا يمكن الحكم عليها بالصدق او الكذب ، انما تحكم عليها بالقبول او الرفض او الإقتناع بها او عدم الإقتناع ، و ليست الحجة الميتافيزيقية استدلالا منطقيا صارما حيث انها لا تتصف بنفس يقين الرياضيات و المنطق لأن معيار قبولها هو الإقتناع و بالتالى فإن صدقها ليس صدقا مطلقا لأننا يمكن ان نقرها او ننكرها وانكارها لا يؤدى الى تناقض . - يتكون النسق الميتافيزيقى من نظريات و مقولات و مقدمات ونتائج و حجج ، و هذا كله يسمى بمحتوى النسق . *المنهج الميتافيزيقى اختلفت الآراء حول المنهج الميتافيزيقى فمنهم من قال بالمنهج القبلى هذا المنهج الذى يشير الى ما يتعلق بالعموميات ومنهم أفلاطون و ليبنتز و كانط ، ومنهم من قال بالمنهج التجريبى الذى يشير الى مايتعلق بالأشياء الخاصة اوالجزئيات . و الواقع أن كلا المنهجين مفيد فالمعرفة التجريبية أكثر نفعا فى تنمية الأفكار الخاصة ، و المعرفة الأولية أكثر جوهرية فى تنمية الأفكار العامة ونسق المقولات ، هذا بالإضافة الى أن حل أى مشكلة ميتافيزيقية يجب أن يتضمن كلا المنهجين العقلى و التجريبى معا . *العلاقة بين الميتافيزيقا و أفرع العلوم المختلفة 1- الميتافيزيقا و الفلسفة :أقر ديكارت أهمية التفلسف ، و ضرورة البحث الميتافيزيقى ، حتى انه يشبه الرجل الذى يمتنع عن التفلسف بمخلوق اعمى يسير معصوب العينين ، وفى ذلك يقول " نحن نتفلسف حين نفكر فى العالم والآخرين والتاريخ البشرى و الحقيقة و الحضارة ، و تبدأ الفلسفة حين يدرك المرء أن لمعظم أفعاله دلالة ميتافيزيقية ". وقد فرق هربرت سبنسر بين المعرفة العلمية والمعرفة الفلسفية حيث يرى أن المعرفة العلمية جزئية نسبية أما المعرفة الفلسفية فهى أكمل و أشمل . ويرى هربرت أن العقل البشرى اذ ينزع الى اعادة تركيب الواقع عن طريق التصورات العقلية وهو فى سعيه نحو الوحدة الكلية ، كثيرا مايحاول أن يسد الثغرات الكامنة التى يقدمها لنا العلم عن الكون ، وتبعا لذلك فقد أصبح التفكير الميتافيزيقى هو صميم الفلسفة طالما أن اليتافيزيقا هى انقى صورة من صور الميل الى الوحدة و البحث عن تفسير موحد للعالم . 2- الميتافيزيقا والعلم : ذهب كانط الى أن هناك أسسا ميتافيزيقية للعلوم ، وبين أن الميتافيزيقا تحدد لنا مبادئ أساسية ضرورية لفهم و معرفة العالم الطبيعى ، و رأى أن هذه المبادئ لا تعتبر جزءا من هذا العالم ، وانما هى شروط قبلية لقيام العلم وامكان معرفتنا العلمية واليومية على حد السواء. ويمكن فهم العلاقة بين العلم والميتافيزيقا بشكل أعمق من خلال رصد أوجه الشبه والإختلاف بينهما على النحو التالى : *أوجه الإختلاف : - التفكير العلمى يستقى الحقيقة من التربة وحدها ، ويقوم المنهج العلمى على التجربة والإستقراء ، بينما المعرفة الميتافيزيقية تقوم على الحدس المباشر ، كما أن العلم يدرك جزئيات من الواقع و يجرى عليها التجارب بينما الميتافيزيقى يدرك العالم فى شموله ووحدته . - المعرفة العلمية تبدأ من الواقع أى بتحديد الموضوع فى العالم الخارجى، أما الميتافيزيقا تبدأ بمعرفة الذات أو الأنا كما هى الحال عند ديكارت وكانط . - العلل التى يبحث عنها العلم ليست قوى غيبية أو ارادات خارقة للطبيعة بل هى علاقات قابلة للتحقق بين وقائع قائمة فى العالم ، أما الروح الفلسفية الميتافيزيقية فهى لا تقنع بالتجربة الحسية بل هى تريد أن توسع من نطاق التجربة على حد تعبير برجسون لكى تدخل فيها شتى خبراتنا الحسية . - العلم يهدف الى كشف العلل القريبة للموجودات المرئية ، أما الميتافيزيقا تهدف الى كشف العلل البعيدة أو العلل القصوى للموجودات . - للعلم غاية قصوى و أهداف عملية ، أما الميتافيزيقا لا تهدف الى اى منفعة مادية لأنها تبحث عن الحقيقة و الحقيقة الخالصة . - ينزع العلم نحو التكميم ، أما الميتافيزيقا فمنهجها ليس عاديا . *أوجه الشبه: - حرية الفكر وعدم الخضوع للسلطة . - الروح النقدية وعدم التعصب و النزعة الموضوعية . 3- العلاقة بين الميتافيزيقا والفن : لا يمكننا أيضا فهم العلاقة بين الميتافيزيقا والفن الا من خلال رصد أوجه الشبه و الإختلاف على النحو التالى : *أوجه الإختلاف - الفن يعتمد على الخيال كما يعتد على الواقع ، كما أن الفن ينشد المتعة لا الحقيقة ويبغى اللذة العقلية لا التعليم العقلى و الغرض منه ارضاء حساسية القارئ و اشباع ذوقه الفنى بينما العمل الفلسفى الميتافيزيقى فهدفة البحث عن الحقيقة والإهتداء الى المعرفة . - الأديب يتميز عن الفيلسوف فى أنه اذا ما حاول أن يقدم عملا فنيا فإنه لا يدخل فيه أدلة عقلية أو براهين فلسفية . -الخبرة الذاتية أساس الفن فالفنان ينظر الى الشئ الذى يتصوره من خلال عواطفه واحساسه وانفعالاته أما الفلسفة فإنها تصدر عن العقل و بالتالى فهى أقرب الى الموضوعية منها الى الذاتية . - الميتافيزيقى لا يستهويه منظر معين فى مكان معين وانما هو ينظر الى الواقع نظرة كلية عامة فلا يقف عند حد التصور الفردى للواقع كما يفعل الفنان . *أوجه الشبه - كلاهما يبدأ من الذات . - كان معظم الفلاسفة الطبيعيين الأوائل شعراء أو أنصاف شعراء ، فقد صاغ انكسمندريس معظم آرائه فى عبارات شبه شعرية ، كما ان بارمنيدس قد نظم قصيدة طويلة رائعة أودع فيها خلاصة تفكيره الميتافيزيقى . - اهتم فلاسفة الإسلام فى العصر الوسيط بالتعبير عن أعمق المعانى الفلسفية بأساليب شعرية و هذا ما فعله ابن سينا حينما صاغ قصيدته فى مذهبه الفلسفى فى خلود النفس . - كل من الفن و الميتافيزيقا يهتم بمصير الإنسان و مواقفه و قيمه و صراعه ضد شتى القوى . 4- العلاقة بين الميتافيزيقا و الدين : هناك ارتباط وثيق بين الميتافيزيقا و التصوف ، فالهدف الأساسى من التصوف هو أن ينفذ الى الأعماق وراء عالم الظواهر بهدف الوصول الى الحقيقة النهائية الكامنة وراؤه ، و من ثم فهناك اشتراك فى الهدف بين الميتافيزيقا و التصوف . هذا غير أن الميتافيزيقا بالمعنى الخاص تعنى العلم الإلهىو لكن هناك فارق بينها و بين الدين من حيث أن الدين يقوم أساسا على مبادئ و أصول الهية لا على مبادئ انسانية ، فالدين من عند الله وهو مفروض علينا أى أن الحقائق الدينية مسلم بها عن طريق الإيمان أولا ثم العقل ثانيا ، أما الميتا فيزيقا فإن أهم مايميزها أنها تقوم على مبادئ عقلية . ـــــــــــــــــــــ *المراجع 1- محمد فتحى عبد الله – الفلسفة اليونانية ( مدارسها و أعلامها ) –الجزء الثانى ( أرسطو و المدارس المتأخرة ) – ص 154 . 2- سامية عبد الرحمن – الميتافيزيقا بين الرفض و التأييد – مكتبة النهضة المصرية – عام 1993 م – ص 16 حتى ص 25 . 3- د. محمد توفيق الضوى – دراسات فى الميتافيزيقا – دار الثقافة العلمية –ص 13 حتى ص 26 . 4- عبد الله عبد الهادى – مقال ( ماهية الميتافيزيقا ، بحث فى المفهوم و المعنى ) – موقع حضارية www.alhadaria.net/dataach/dr-falsafyyah/index43.htm. ولاء رشدى فوزى الحوار المتمدن-العدد: 3119.



هناك تعليق واحد:

  1. شكرا لكم على مجهووووووداتكم الجبارة. اشششششششكركم جزيييييييل الشكر

    ردحذف