الشاعر مصطفى بن ابراهيم والنساء عبد القادر هني

شارك:

الشاعر مصطفى بن ابراهيم والنساء..
عبد القادر هني

صدرهذا المقال عن جريدة ٌصباح وهران ً في الخمسينات من القرن الماضي  مكتوبا باللغة الفرنسية للشاعر محمد بلحرش الذي كان آنذاك نائبا للكاتب العام للبلدية المختلطة بتيارت، نقله إلى العربية الباحث عبد القادر براهمي والشاعر قدوري الصادق.
يمكننا أن نقول ـ دون مبالغة ـ بأن مصطفى بن براهيم هو الشاعر الوحيد من بين كل شعراء القطاع الوهراني الذي نال أكبر قدر من الإعجاب لدى الجنس اللطيف المعروف بالضعف وقلة الجديةفي علاقاته وعدم الوفاء.
أعماله التي تمثل بوضوح حياته المليئة باللهو واللذات  تعكس تقديسه للجمال واستعداده الدائم للتعلق بالجميلات اللواتي يمثلن رمز الرقة و اللطافة.يقول :  سرج يا فارس اللطام...للبهجة روح يا خليلي...توصل مرخوفة الحزام...في وهرن ساكنة غزالي.
والجميلة   الزهرة ً هذه الصورة الأدمية للحورية البيضاء اللعوبة ، لم تكن تتصور انها ستدفعه أسيرا الى سوق النخاسة دون ان تترك له فرصة التفكير في كيد النساء وجعلته يستقبل باستهتار تجار العبيد الدموييين.
صفى ً المهموم كان يمكنه أن يتوقف عن التغني باسم  خصرة ً والحنان الحقيقي ليمينة الذي سكنه دون  أن تفارقه في منفاه صورتها ، وتأله الحرية ً بتفخيم الراء  ـ نسبة الى قبيلة لحرار ـ التي حمل حبها وتبعها إلى الجنوب ،إلى بلاد الخوف والأشباح.
يقول : قبلو بالحرية...و اداو مازوز الغزلان...بخيول تهجم محظية...ويصرعو وحش وغزلان.
ما  وصلتنا عنه من أخبار تشير إلى أنه لم يكن جميلا ولا وسيما ، بالغ السمرة ، وربما كان كان ذلك سر كل هذا الإعجاب الذي ناله من الجنس الأخر ،ولكن من الجانب المعنوي يبدو رجل حرب شجاع وابن ٌبيت كبير ً مثل ألفريد دي موسيه الذي يحب النساء والحرب بخلاف الشاعر الحزين ً علي كورة ً الذي أمضى حياته  باكيا بشعره ً العالية ً التي بقيت رغم زواجها وفية له ، وبقي هو مواجها ألاف الأخطار في سبيل رؤيتها فقط، وهو بذلك يذكرنا بفروسية القرون الوسطى وقصص حبها العفيف.
خلال أيام الحزن في حياته يظهر مصطفى بن براهيم شخصية قوية تستحق التقدير ، وهو مايظهر جليا  حين اضطر ـ بعد مغامرة عاطفية ـ إلى مفارقة وطنه تاركا أهله وماله ليستقر وحيدا بالمغرب  أين اختار مدينة فاس العجيبة سكنا وفي هذه الفترة يتجلى فعلا كشاعر للحزن والألم يقول :
 ادخلت للمدينة واعرفت سواقها ...ساومت كل حاجة فيد الدلال...هذي فاس فتحت لينا بيبانها ...ومشبرة مدافعها للقتال.
 رائعة القمري قصيدته الشهيرة التي كتبها بالنفى جعلته يتأمر شعراء عصره وأكدت لخصومه أنه جدير بالفخر بقدراته وثرواته الفنية ، في هذه القصيدة كشف لنا جوانب من حالته النفسية وحبه الكبير للأرض التي أنجبته، لقد وصف بطريقة عجيبة المسار الذي يجب أن يسلكه من يريد زيارة الجزائر ، محددا المعالم  الحالية والحقيقية لطريق وجدة ـ فاس ، واصفا كل جهة وكل قبيلة يدفعه إلى ذلك ما يتميز به من شاعرية وحس الملاحظ.
 والمرأة الوحيدة التي احتفظ لها بذكريات جميلة هي  ً يمينة ً والنقطة التيتفرض نفسها في قصائد المنفى  ـ كما قلت  ـ هي حبه لوطنه وحزنه وندمه على فراق الأهل والأصحاب  قلبي تفكر لوطان والهالة ...وعلاش يا مرو غريب تلغالي
 وكان يتهكم من حين إلى حين  بسكان فاس يقول ٌ جلابة في بلعباس خير من القيادة في فاس ً معطيا في ذات الوقت وصفا رائعا لاثار المدينة الجذابة بجمالها ذاكرا مايمكن  أن يسببه السفر وحيدا ألى المغرب من مصاعب ومتاعب وقلة أمن يقول :
 من لا ليه رجال لا يهاب...والخارج وطنو خصالو عيب.
  عودته إلى الجزائر وهو المولود بنواحي  مارسي لاكومب ـ سفيزف حاليا ـ  لم تطبعها أية علاقة عاطفية جادة ، لقد علمته الهموم  وصقلت
شخصيتهحد النضوج ،فانصرف إلى الأعمال الخيرية  ونسي الجنس اللطيف.
 مازالت قصائدالمصطفى بن براهيم  إلى يومنا هذا تحظى بالإعجاب ويتذوقها الناس على اختلاف أعراقهم ودياناتهم ، ولا يمكن أن يمر فرح ،عرس أو ختان دون أن يتغنى شيوخ الأغنية البدوية بقصائده.
 كانت هذه لمحة موجزة لحياة أشهر شاعر مسلم في نواحي وهران الذي توفي بعد توبة نصوح وهو ينطق بالشهادتين ،ونحسبه عند الله من الذين يسكنون جنات الخلد.

عبد القادر هني    بتصرف


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات